أستلقي وأفكر بعبلة وليلى وبثينة، هل حدث أن تولهوا من وَلع عشّاقهم أم أنا التي أشعر وكأنني أطفوا من حُبي فلا يسعني قلب واحد لأحبه به. يُصبح المرء أكثر شاعرية بحب أحدهم فما بالك بشاعرية تخلُق لك جناحين فلا تسعك سماء ولا يسعك العالم.
لكن ما وصلنا وما يصلنا أن الحُب لا يكتبه سابقًا إلا الرجال، كقيس، وجميل بثينة، وعنترة. ولعل السبب يعود لأن النساء وقتها لسن متعلمات ولا بكاتبات وكنّ مشغولات بالحياة، بعكس الرجل والذي يستطيع حينها أن يخرج وتحدث له المغامرات وإن تحدث بإحداهن كان الوقع شديدًا عليها إذ يتم تزويجها مباشرةً خطر التشويه للسمعة والمساس بالشرف.
“نَحنُ النسَاء إن لَم نكُن شَاعِرات، فَحتمًا سنكون قصائد.” ولعل هذا القول تفسير لكون العشاق في الجاهلية أكثر رجالًا.
لكنني هُنا أتحدث عن الحُب، عن حُب الخنساء المتضمن شعر في رثائها المحمّل بالحزن لأبنائها، ولكل شاعرة كتبت حبًا للحياة وللأشخاص في الجاهلية وفيما بعدها حتى حاضرنا. وأنا هنا أود بكامل رغبتي الكلية أن أكتب شعرًا وأستشعر كل كلمة كتبت للحب وحول جماليته.
كتبت هذه التدوينة بعد مطالعتي لكتاب جواهر الشعر والقراءة حول الحب في الشعر مؤلمة تفطر القلب، إذ رأيت مواجعًا وحبًا صادقًا، تكاد عيناي منه أن تغرقُ.
في الحُب بدأت بالإيمان بما قاله أبو تمّام:
نَقِّل فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِنَ الهَوى
ما الحُبُّ إِلّا لِلحَبيبِ الأَوَّلِ
كَم مَنزِلٍ في الأَرضِ يَألَفُهُ الفَتى
وَحَنينُهُ أَبَداً لِأَوَّلِ مَنزِلِ
واستقريت عند قول جميل بثينة:
عَلِقتُ الهَوى مِنها وَليداً فَلَم يَزَل
إِلى اليَومِ يَنمي حُبُّها وَيَزيدُ
وبين أبو تمام وجميل بثينة، تأكدت بأن لا حبًا ولا أوفى من حب الحبيب الأولِ، لذلك لعل كلماتي هنا بعيدةً كل البُعد عن الحيادية، حتى لو حاولت اظهارها لأنني لن أعني بها إلا حبيبي الأولِ.
في مكانة الحُب أو أهميته يلوح في فكري قول قيس بن الملوح:
فَلا خَيرَ في الدُنيا إِذا أَنتَ لَم تَزُر
حَبيباً وَلَم يَطرَب إِلَيكَ حَبيبُ
لذلك لعل قول قيس هنا يختصر مجمل المغزى من الحب في الحياة أو يُلجم كل من يُروج لسوء المحبة والتباعد والوحدة.
المحبة لو سنبتدأ بكمالها سأذكر قدوتنا الأول والأكبر وهو خير البشر رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، في محبته لزوجته عائشة رضي الله عنها، كان يُلاطفها ويلاعبها. ويكفي أنه مات عليه السلام وهو في حجرها. يقول الصحابي عمرو بن العاص -رضي الله عنه- في غزوة ذات السَّلاسل أنَّه سأل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وقال له: (أيُّ النَّاسِ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، فَقُلتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: أبُوهَا)
فكان عليه الصلاة والسلام لا يخجل من ذكر حُبها، وملاطفتها أبدًا، وفي كثير من حُسنه لنا قدوة دائمة أبد الدهر فيكفينا مثال حُبه لها، ويكفيني أنا شرفًا لحملي اسمها.
وأما عن وقتنا الحالي ومدى هشاشة قلوب ومحبة بعض الخلق، أتذكر قول أبو فراس الحمداني، يوم كان وقتها الحُب جد، إذ قال:
وَحارَبتُ قَومي في هَواكِ وَإِنَّهُم
وَإِيّايَ لَولا حُبَّكِ الماءُ وَالخَمرُ
وفي قول أبو فراس ردًا وهجوم لقول نزار:
الحب ليس روايةً شرقيةً
بختامها يتزوج الأبطال
وفي قصديتي المفضلة لأحمد بخيت الليالي الأربع يقول فيها الجزء الأكثر رقة:
بغيرِ خُطاكِ أنتِ معي
يموتُ جمالُ ألفِ طريقْ
بغيرِ سَمَاكِ أجنِحَتِي
يجفُّ بريشِها التحليقْ
ولن أستشهد بقول غازي القصيبي في قصيدته حديقة الغروب رغم قلبي الذي يُحبها ويود ذكرها، لكنني ذكرتها في قراءة شعريّة ليلية في تدوينة سابقة ليلة ماطرة
المحبة تسموا بالقلب، تجعل المستحيل ممكن، والعسير يسير، ويغدوا الظلام نور. لذلك في أغلب تدويناتي ومقاطعي في التطبيقات أختتمها بقول: دمتم بكل الود والحب. وهذا لأني أتمنى من كل قلبي ولتوكيدي الدائم بالحُب للجميع والود واللطف، لكن هذه المرة لن أقول دمتم بكل الود والحب، لأن الحُب زاخر في هذه التدوينة وتكاد الكلمات تصرخ به.
وكما بدأت التدوينة بتساؤلات، أظننا في الحياة لن نصل لماهية الحُب حقًا بقدر ما هو حاجة لا رفاهية، فتساؤلاتنا وتأكيداتنا حوله واهية، وتتلاشى حينما نستقر بالحُب.
وسأظل في محبتي شاكرةً لله، وسأظل أدعو دعوة قيس:
يا رَبُّ لا تَسلُبَنّي حُبَّها أَبَداً
وَيَرحَمُ اللَهُ عَبداً قالَ آمينا
8 تعليقات