بدأت ناسا بحثها عن حضارات خارج كوكبنا تحت عنوان أُسميه بـ “لسنا وحدنا” فتخيل أن حاجة الشعور الإنساني بأنه موجود وحوله الكثير رغبة تصل في حد ذاتها إلى الشركات الكبرى وأكثر من ذلك أيضًا.
أو كما في مقطع الأطفال المُتحلقين في السيارة يتساءل أحدهم: هل نحن وحدنا؟
ومهما ما تسعت التساؤلات وظهرت الكثير من التحليلات من علماء وهاويين ومحبين للخيال بالأفلام وغيرهم، سيظل المرء على سعة العالم واتساعه وضجيجه وكميّة البشر فيه، يشعر بالوحدة.
تخيل بأن أحد ما يشعر كأنه واحد لوحده بالرغم من ضجيج العالم من حوله وضجيج فكره وعقله، والأمر مرهق أكثر من أنه عاديّ.
وما بين أطباء النفس وذمهم للوحدة، وما بين الأُدباء وتلميعهم لها
يقول آرثر شوبنهاور: لا يمكن أن يكون المرء نفسه حقًا إلا متى كان وحيدًا، ومن ثم فمن لا يحب الوحدة لا يحب الحرية، لأن المرء لا يكون حرًا إلا حين يكون وحيدًا.
ويقول فرانز كافكا: في علاقتي مع الآخرين جزء طفيف مني يتوسل المواصلة، جزء هائل مني يرغب في الهروب.
بينما في كتاب المدينة الوحيدة تقول الكاتبة أوليڤيا لاينغ: كيف بإمكانك وصف الشعور بالوحدة؟ إنه أشبه بكونك جائعًا بينما كل مَن حولك يستعد لتناول وليمة. إنه شعور مخجل ومخيف، ومع الوقت يبدأ هذا الشعور بالإشعاع خارجًا، ليجعل صاحبه أكثر عزلة وأكثر غربة. إنه شعور مؤلم، بالطريقة التي تؤلمنا بها المشاعر، وله أيضًا عواقب جسدية لا يمكننا رؤيتها داخل الجسد المغلق. ويتطور هذا الشعور ليصبح باردًا كالثلج وصافيًا كالزجاج، ليتضمنك ويجتاحك.
وأما عني أنا فلدي جانبان متضادان، أحدمها وحيد ويحب الوحدة وأحدمها في وقت الحاجة يغدوا اجتماعيًا يتحدث كمُلقي. لكنني بالعموم أترجل من الأيام واللحظات والأوقات لملاقاة أناي.
بالنسبة لي الوحدة ثريّة، لأنك تملك كل دقيقة من وقتك لك وحدك، بلا أي قيود ولا أي ادعاءات وأحكام، الناس في بعض الأحيان يجعلوا الإنسان بوده لو يبقى وحيدًا للأبد!
أو كما قال هاروكي: أنا وحدي ولست وحيدة.
يقول الأديب باولو كويلو: الوحدة، عند قبولها تصبح هدية تقودنا إلى إيجاد هدفنا في الحياة.
فالوحدة سلاح ذو حدين، وأنت المتحكم الأول والأخير، إن وازنت الأمر ستغدوا محنكًا بذكاء وحيدًا بروعة!
الوحدة راائعة لأنك لست متقيدًا ولا ملزمًا بأحد.
فأنا وحدي تمامًا بمعزل عن البشر، لكني لست وحدي إذ معي كُتبي وأكواب قهوتي، وأحرفي وأفكاري وضجيجها الذي لا ينقطع.
ولأن “الوحدة ثراء الشعور” كما وصفتها جريدة الوطن، فهي تجعلك تستمع باللحظة الراهنة كما هي بلا أي تدخلات.
يقول الكاتب ماريو بينيديتي: أفضل طريقة لتكون سعيدًا مع شخص ما هي أن تتعلم أن تكون سعيدًا بمفردك. وبالتالي فإن الرفقة مسألة اختيار وليست ضرورة.
ولعل الوحدة الحميدة التي أعنيها كما قال ماريو سابقًا وأتفق معه في قوله، فالذي لا يعرف أن يجلس رفقة نفسه والذي لا يحب ذاته، لن يولي أحد ما حب حقيقي، ولن يكون سعيدًا رفقة أحد. فالعزلة لا تعني أنني سأعتكف، بل سأخالط الناس بلا أي يأثروا بي أو يصلوا إلى مشاعري، وبذات الوقت أستطيع أن أجلس رفقة نفسي فحسب بلا أحد، أو كما يقول الشاعر عبدالله:
في معزل عن جميع الخلق وازعاجه
ما اسمع من الناس لو تكثر لجـالجها
الخلوة برأيي ضرورية، كما يفعل الكثير حاليًا بقطع مواقع التواصل الاجتماعي، وفي هذا التصرف انعزالية تامة لأجل صفاء العقل والروح والتركيز على النفس والذات.
تقول إحدى قواعد العشق الأربعون: الوحدة والخلوة شيئان مختلفان، فعندما تكون وحيداً من السهل أن تخدع نفسك ويخيل إليك أنك على الطريق القويم، أما الخلوة فهي أفضل لنا لأنها تعني أن تكون وحدك دون أن تشعر بأنك وحيد، لكن في نهاية الأمر من الأفضل لك أن تبحث عن شخص، شخص يكون بمثابة مرآة لك، تذكر أنك لا تستطيع أن ترى نفسك حقاً إلا في قلب شخص آخر بوجود الله في داخلك.
وكما كان يفعل رسولنا الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، إذ كان يخلو بنفسه في غار حراء ويتعبد الله، وهذا أكبر دليل على أهمية هذا الفعل.
فالوحدة اتفاقًا من الأطباء؛ سيئة وممرضة للنفس.
والخلوة اتفاقًا من الأدباء؛ صحيّة وتجعل النفس في ازدهار تام.
آخرًا، كونوا مع ذواتكم بكامل إرادتكم طيبين لينين معها، اختلوا بأنفسكم لكن لا تكونوا وحيدين كذلك.
دمتم بكل الصفاء والازدهار.
5 تعليقات