بريق البدايات

استيقظت هذا الصباح كما أنا لكن مشاعري المفعمة بالأمل طغت عليّ هذا اليوم. جميل هو استشعار البدايات، بداية الأيام، بداية الشهور، بداية السنين. والفكرة هنا ليست بذات ثقل ولا بذات أهمية كبرى، لكنّ الإنسان يهتم لأمر البدايات، لأنها تنظم له أموره وما يريد تحقيقه، وتُشعره بنشاط وحيوية، وانتعاش مُحبب أشبه بأخذ حمام بارد في صيف لاذع!

البدايات خصوصًا في السنين ترتبط بالإنجازات، حتى لو كان إنجازًا بسيطًا على قدر استطاعتك وسواءً كانت كُبرى أو بسيطة كتجربة كوب قهوة.. فمثلًا، أحب في بدايات الشهور أن أقرأ كتابًا جديد، وأجرب بُن قهوةً لذيذ. والمقصد هنا الاستشعار ولأننا بشر فنحن دائمي القلق وبودنا أن نطمئن، فتجدنا عند كل بريق ضوء نبتسم وعند كل خِفة نسمة نتنهد.

ولنتذكر دائمًا نحن من نعطي للأشياء أهمية ونحن من نكسبها بريقها ولمعانها، وبقدر ما تعطي هذه الأشياء من بريقك بقدر ما تلقي عليك من نور لا متناهي.

من أعمق ما قرأت قول نُسب لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ

وَتَـحْـسَبُ أَنَّـكَ جِـرْمٌ صَـغِـيرٌ وَفيكَ انطَوى العالَمُ الأَكبَر.

إذ يعتقد الإنسان أنه مجرد نجم صغير يسبح في فلك هذا الكون الكبير، وأنه لا تأثير له، بينما أننا كُلنا بلا استثناء بداخلنا عوالم مذهلة وخلابة وكل واحد منا هو مصدر بريق لا ينقطع ولا ينتهي، ولنا تأثير كبير.

فهوّن على نفسك، الطريق طويل والأيام مديدة والعمر باقي والحياة خيّرة، وما فاتك إلا الشر. اجعل بداية السنة بداية لقرارات تجعلك راضٍ طوال الدهر. واعتزمها بينك وبين نفسك ألا تخاذل بعد الآن، أن تهتم لذاتك ولروحك أن تتلطف معها، وأن تعطيها حقها الأكبر، وتذكر لا تخض حربًا ليست بحربك، وعِش طوال الدهر مبتسمًا وأعطِ وبقدر ما تُعطي بقدر ما تنال من خير وبركة ورضا.

وتذكر بأن الوقت يمر مهما ما كان وما حدث، فلا تدع عامًا آخر يمضي بلا هدف.

وأما عن هدفك الذي لم تنله العام الفائت فبالصبر والمحاولة والدعاء تنال ما تطمح له وتصبوا إليه، الأهم ألا تستسلم.

يقول دوستويفسكي:

إذا كانت البدايات وحدها جميلة، دعنا نبدأ مجددًا.. دعنا نبدأ مرارًا وتكرارًا، دعنا لا ننتهي أبدًا، دعنا لا نتوسط ولا نتعمق ولا نمل فننتهي، دعنا نبدأ ثم ننسى أننا بدأنا ونعيد البداية، وننسى إلى اللانهاية.

ملحوظة جانبية ولعلها تأنيبية بسيطة:

الشيء الذي كنت تريده بداية العام كان بإمكانك أن تنتهي منه مع بداية العام الآخر، لكن عدم جديتك أو لعل انتظارك لمعجزة ما، جعلت الأمر يفوق طاقتك والخيال، لذلك اعزم أمرك ونظم وقتك ورتب أمورك وتذكر كلٌ خلق لما هو ميسر له، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.

يقول الشاعر: لا تحسبِ المجدَ تمرًا أنت آكلُه لن تبلغَ المجدَ حتى تلعقَ الصّبِرا.

وعلى الضفة الأخرى يقول نيلسون مانديلا: أعظم مجد في الحياة لا يكمن في عدم السقوط أبدًا، بل في النهوض في كل مرة نسقط فيها.

في قراءتي الأخيرة لمايا آنجلو، في كتابها أعرف لماذا يغرد الطائر الحبيس قالت لها والدتها ذات صباح: الحياة ستمنحكِ على قدر سعيك، ابذلي قصارى مجهودك، وصليّ، ثم من بعدها انتظري. الله يساعد أولئك الذين يساعدون أنفسهم.

أخيرًا، ولكن ليس آخرًا، عيشوا اليوم على أنه آخر يوم لكم، حافظوا على صلواتكم وابذلوا الخير وانسوه في بحر لا حد له من عطائكم، ابتسموا كثيرًا، انتقوا من تصاحبونهم وانظروا لأشعة الشمس في دهشة، ولأمواج البحر في محبة، ولصوت العصافير في بهجة. عيشوا ملأ الحياة وأكثر.

وأما أنا فسعيدة جدًا لبدئي هذا العام برفقتكم، أكتب لكم وأحاول أن ألقي قليلًا من بريق علّها تصل لدُروبكم ومن ثم لأرواحكم فتنير قلوبكم، وأثق تمام الثقة بأن في دواخلكم فيض من نور مذهل، كما هي ذواتكم الرائعة.

وتذكروا بأن لكل بداية نهاية وبقدر ما تبذل في بدايتك بقدر ما تحصد في نهايتك.

ودائمًا وأبدًا أتمنى لكم عامًا مخضرّ مليئًا بالبريق والنور والحياة والأمل، البعيد عن الألم.

Related posts

بوابة العبور… حين تخفّ سرعة الحياة

يوم زفافي، زفاف أبيض سعيد

رمضان البداية

2 تعليقات

جنى يناير 4, 2025 - 9:09 ص
التدوينه المُفضله لهذا العام🤍 أتمنى لكِ عام سعيد وعام يتحقق فيه كُل ما تتمني🤍🤍
أحرف عائشة يناير 11, 2025 - 12:37 م
و أتمنى لك عزيزتي عامًا مليئًا بكل ماتتمنيه, شكرا لك 💙
Add Comment