هل فكرت يومًا أن الحياة الهادئة ليست مكانًا نصل إليه، بل حالة داخلية يمكن العبور إليها في أي لحظة؟
“أنتِ بوابة عبور لعيش الحياة يا عائشة” هكذا اختتمت متابعة لي كلامها على الإنستغرام بعدما قالت لي كلامًا حلوًا عذب اللسان.. أنا ممتنة دومًا لكل من يكتب لي كلمة طيبة، ويترك في قلبي أثرًا، وأدعو لهم دائمًا بسعادات هادئة تُغمر بها قلوبهم كما غمروني بلطفهم.
لكن هذه العبارة بالذات – التي وصفتني بها – فتحت لي معاني عميقة، وأنا، التي من لا تمرّ عليها الكلمات مرورًا عابرًا، بل تستقر في أعماقها وتعيش فيه.
ومن يومها وقولها يستحضرني، أتأمله وأفكر فيه، حتى قررت أن أكتب لكم ما يجول بخاطري، لأنني على يقين أننا جميعًا نحتاج بوابة عبور لعيش الحياة.
هنالك بوابات خفية، لا تُفتح بمفتاح، ولا تعلن عن وجودها بضجيج.
بوابة تعبر منها دون أن تدري، حين تخفّ سرعة أفكارك، وتبتسم بلا سبب، وتغفر بلا قيد.
إنها بوابة العبور إلى الحياة الهادئة. تلك التي لا تعدك بشيء، لكنها تمنحك كل شيء: سكينة، طمأنينة، وحالة من الرضى تشبه الحُلم.
فهل مررت بها من قبل؟ وهل كنت حاضرًا عندما فعلت؟
ما شكل بوابتك؟ قد تكون بوابة العبور بالنسبة لك:
- أن تكفّ عن مقارنة نفسك بالآخرين
- أن تسامح ذاتك للمرة الأخيرة
- أن تطفو فوق غيمة هادئة بلا محاسبة
- أن تتنفس بعمق، دون النظر في جهاز، أو اللهث خلف الالتزامات
- أن تحتسي قهوتك في الصباح دون استعجال
- أن تتأمل في التفاصيل، أو اقتباس من كتاب، أو لحظة صادقة مع أحد تحبّه
إنها لحظة خفيفة… لكنها تفتح بابًا للحياة كملجأ!
وذاك الملجأ أحيانًا يكون شخصًا، مكانًا، أو حتى شعورًا، لكنه يمنحك أمانًا داخليًا لا يُشترى.
لذلك سؤال اليوم هو: ما الذي يجعلنا نشعر بالأمان الداخلي؟ متى نشعر أن القلق قد خفّ؟ ما هي اللحظة التي نقرر فيها أن نعيش بهدوء؟
ولنجيب عن هذه الأسئلة علينا التأمل في مراحل العبور قبل المرور من بوابة الحياة الهادئة
مراحل عبورك نحو الحياة الهادئة
ومراحل العبور بالنسبة لي هي خمسة مراحل تبدأ بـ:
- التخلّي عن السيطرة المطلقة
احساسك بالسيطرة ورغبتك في احكامها على كل ما يمر حولك منطقي، لأنه من الممكن بتصرفك هذا تحمي شعورًا في داخلك، فلا ترغب في أن تتلاشى سيطرتك فتهوي الأشياء حولك وعليك!
لكن حتى تعيش بطمأنينة لابد أن تتخلى عن السيطرة المطلقة في كل الأحوال، سيطر لكن بمستوى منخفض على أشياء لا تضر على أشياء بمقدرتك السيطرة عليها، وهونها على نفسك لأن المثل يقول: ولو تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش. بمعنى: حتى وإن جريت بكل طاقتك، فلن تنال سوى ما كُتب لك، فاطمئن.
- التصالح مع الماضي
وفي هذه نقطة مهمة جدًا وأساسية، إذ أن ما فات مات، وأفهم بأن بعض الأشياء قاسية وخانقة ولا أملك حقًا في تهميشها حتى، لكن الله لم يخلقك لتُهزم، ولم يتركك حين مرّ بك ما مرّ.
فلا تخنق نفسك، لأنه لو لم تتصالح مع ماضيك على الأقل تخطاه وآمن بأنه شيء حصل بالفعل وليس بمقدورك تعديله أو السيطرة عليه، وفي الأمر كل الخيرة.
- التوقف عن الركض المستمر
وأقولها وأنا التي أركض ركضًا دائمًا خلف كل شيء، إلى أن استوعبت بأن الركض يجعلك لا تنتبه لبعض التفاصيل وبالأصح يجعل الحياة تفوت منك وتتسرب من بين أصابعك. كركوب سيارة مسرعة في ممر مخضر مبهر لا يجعلك تبصر ولو لبرهة لجمال الخضرة الممتد وهذا نفسه هو الركض المستمر في هذه الحياة. وأنا لا أقول لك هنا تراخى لكن نظم حياتك، وقتٌ لنفسك وقتٌ لعملك وقتٌ تتنفس فيه.
تذكّر دائمًا: في الحياة متسع لمن يهدأ قليلًا.
- اختيار البساطة عن التعقيد
ولا أعني البساطة أن تفقد لونك، بل أن تختار تعقيدك بوعي. فبعض الأمور لا تستحق حتى التفاته فما بالك بعناء التفكير فيها، فكيف بالتعقيد؟
بسّط ما استطعت، وعقّد فقط ما يستحق… واحفظ توازنك.
- الإيمان بأن كل شيء يحدث لحكمة
حيث تؤمن هنا بأن ما حدث سيحدث، وما كتبه الله سيحصل. وديننا خير من يعلمّنا ويحثّنا على هذا، وكما تعلمنا منذ نعومة أظافرنا وهو الركن الخامس من أركان الإيمان (الإيمان بالقدر خيره وشره) وسبحانه لم يخلقنا حتى ينسانا ولم يخلقنا لنُعاني، وهذا الإيمان -حين يستقر- يصبح بوابة بحد ذاته.
وما بعد العبور؟
حين تمرّ من بوابتك الخاصة، ستشعر بـ:
- نفسيًا: راحة بال، وخفة روح
- اجتماعيًا: علاقات صادقة، حتى لو كانت قليلة
في النهاية، ليست الحياة الهادئة وعدًا بعيدًا ننتظره، بل خيارًا صغيرًا نكرره كل يوم: أن نخفف التوقعات، أن نغفر للزلات، أن نعيش اللحظة كما هي.
بوابة الطمأنينة لا تُفتح دفعة واحدة، بل تُفتح كلما اخترنا السلام على الصراع، والرضا على الجري خلف الكمال.
قبل أن تمضي…
لو لم تستطع عبور البوابة، لا تبقَ بعيدًا عنها كثيرًا… اقترب، وجرّب، وحاول مرارًا.
وإن كنت قد مررت بها يومًا – وهذا يسعدني – فقل لي: ما الذي ساعدك أكثر على عبورها؟
قبل النهاية
خذ نفسًا عميقًا…
وتذكّر: قد لا تتغير الحياة من حولك، لكنك حين تعبر تلك البوابة، ستتغير أنت.
فهل ستتجرأ على العبور؟