لست أهوى القراءة لأكتب، و لا أهوى القراءة لازداد عمرًا في تقدير الحساب.. و إنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، و حياة واحدة لا تكفيني.
لو حاولت تبرير حبي الدفين للكتب عمومًا وللأدب خصوصًا فلن أنقضي وسأظل أتحدث عنها بلا هوادة؛ لأن الدهشة التي تتحلق الكتب لا تنفك تلقي عليّ بريقًا لا ينقطع.
الكتب والقراءة والأدب شمس دافئة لكل قارئ ولكل إنسان، والفكرة هنا بمدى ملامسة الأدب لذواتنا، تحت فكرة أن تجد شعورك الخانق بداخلك يكتبه أحد ما بطريقة حقيقية واقعية تجعلك تتنهد لتشعر بأنك لست وحدك!، أو حتى في طوفان حبك اللانهائي لصديقك أو شريكك تلامس روحك كلمات شاعرية ترتب بداخلك مشاعرًا لا حد لها.. وهذه هي قوة الأدب، في امكانها جعلك إنسانًا بحق. ولذلك في حال أردت لقارئ أن يموت امنع عنه الكتب!
قالت رضوى عاشور: “قرأت لأجل القراءة لا الكتابة، كُنت أبحث عن شيء لا أعرف بالتحديد ماهيته. كأني راغبة في الفهم، أو كأنني أتشاغل عن همي بحكاية هم قديم يجاوب ما في القلب وإن خفف عنه بإلهائه قليلاً عن ذلك الذي ما عاد يطيقه”
والفكرة هنا ليست بذات القراءة العلمية والدراسية، إذ أن الأدب يمثل مشاعر الإنسان ولا يوجد أغلى وأكثر قيمة من الوجود الإنسانيّ، لذلك تجد من يبكي ويتذكر مصاعب مضت إثر قصيدة فحسب! أو تجد من يبتسم ملئ قلبه ويقتنع، بل يتأكد من جماله وأنه جوهرة في حد ذاته من نص رقيق أصاب عقله وقلبه. وما بين المحبين أكثر بكثير، إذ يُهدي إحداهما قصيدة فيها من الشاعريّة وبث الحُب الذي لا ينقطع فيستقر في شغاف قلبيهما ويزيد ولا ينتهي.
في إحدى التعريفات التي قرأتها للأدب قالوا عنه: “فن القول” وقد صدقوا فعلًا، إذ أن الأدب والكتابة هي فنٌ صريح.
الأدب في تاريخنا العربي مديد ولم ينقطع وابتدأ بقوة لا تنتهي، من مجنون ليلى المتغني بحبه وولعه وعِشقه، وعنترة بن شداد ذا القوة المتغني بشجاعته وذا حين بحزنه وألمه.
والأمر لا يقتصر على الشعر هنا، بل يتعداه بكثير في النثر والرواية والقصة، وأهمية الأخيرتين لو سنبتدأ بالحديث عنها فلن ننتهي، يكفينا بأن القرآن الكريم ذكر من القصص الكثير وهذا فيه من تسلية للروح وأكثر وقعًا وأثر، فمن منا قد ينسى قصة خروج موسى من مصر وجبروت فرعون، أو قصة مريم وهزها للنخلة. فالأدب والرواية بالخصوص هي تسلية للنفس وذات أثر وأكثر إيصالًا للمعلومة والفائدة.
وفي باب ما جاء في نوادي وتجمعات الكتب والقراء، في المرحلة الجامعية ترأست نادي قراءة على مستوى المحافظة، وكنا نصوّت لقراءة كتب معينة بعد مضيّ فترة من مناقشات عدّة لكتب متعددة، أستنتج وأتأكد من أن الرواية في الأدب أكثر وقعًا وإلهامًا وبشكل كبير جدًا، وهذا غير تأثيرها اللغوي ذا المخزون العالي.
الأدب جعل الإنسان ذا وعيّ في الدنيا وأكثر حسنًا بالتعامل مع الحياة من مكنوناتها وتقلباتها، فيلج القارئ في عوالم لا نهائية ومواقف متعددة وهو مستقرٌ في ذات المكان.
يقول ميلان كونيدرا في كتابه فن الرواية: “الرواية هي تأمل في الوجود كما يُرى من خلال وسط الشخصيات المتخيلة”
أُشبّه الأدب بالشمس، لدفئه في الأرواح ولملامسته العميقة للقلوب. ولكونه الناقل الأول لروح وفِكر الأمم ولأشكال المجتمعات، الفكرية والشكلية، والعادات، والتقاليد، والكلمات.
فالغاية من الأدب والفن عل حدٍ سواء؛ هو الاتكاء. ونحن في دُنيا نبتغي منها الاستناد ولو على كلمة أو بيت قصيدة.
آخرًا، العائد من الروايات الأدبية، والأدب ككل لا حد له.. فقط أحسن الانتقاء، ولا بأس بقراءة كتاب سيء لأنك ستقع بعدها على آلاف الكتب الجيدة والتي تستحق أن تقرأها بالفعل، وستكون ذات حظ عظيم لملاقاتها لعينيك.
9 تعليقات